ماذا هناك

في آخر أيام شهر يناير للعام ٢٠٢٣، تابعت مثل غيري، عبر شاشة التلفزيون الموريتاني الرسمي، مشاهد استقبال فخامة الرئيس الموريتاني محمد ولد الشيخ الغزواني لوزير الخارجية الإيراني، الذي وصل إلى نواكشوط على رأس وفد سياسي كبير، أو رفيع المستوى كما نقلت وأكدت بعض المصادر الإخبارية الإيرانية. الانطباع الذي وصلني عن اللقطات السريعة لمراسم الاستقبال نقلت لي مشاعر موريتانية غير مرتاحة بهذه الزيارة، وهذا يعيدنا إلى أخبار قبل مدة، أكدت أن الجانب الإيراني يلح على تعميق العلاقات مع موريتانيا. إيران تقول إنها تهتم بموريتانيا من الناحية الاقتصادية والتجارية، هذا هو المعلن، حيث هناك طموح إيراني بالاستثمار في السوق الموريتانية، والأفريقية، والتجارب من علاقات إيران بالدول ذات الوضع الخاص، تقول إن الساسة الإيرانيين يبحثون في الحقيقة عن إيجاد موطئ قدم لهم من خلاله يبنون حالة من اكتساب النفوذ، تمكنهم على المدى الطويل من اكتساب قوة، وسيطرة من خلال تكوين وزراعة أتباع وأنصار عقائديين. سعي إيران لتعزيز العلاقات مع قطر عربي شمال أفريقي مثل موريتانيا أمر يثير الريبة لدى الموريتانيين بالدرجة الأولى، لأن هناك إلحاحا غير مبرر من جانب المسؤولين في طهران، ولعل من نافلة القول الإشارة إلى أن الرئيس الإيراني إبراهيم رئيسي وجه الدعوة لفخامة الرئيس الموريتاني لزيارة طهران مرتين خلال عام واحد. ما يعرف عن السياسة الإيرانية الباحثة عن النفوذ في كل مكان، أنها تبدأ مسيرة علاقاتها مع الدول، أو الدولة المستهدفة، بعناوين براقة وذات منافع ملموسة مثل البداية بالعلاقات التجارية، والاقتصادية، وبعد ذلك تبدأ بطرح المفهوم الإيراني الغامض، الذي يتخذ عنوانا هلاميا هو «تعزيز العلاقات في كافة المجالات»، وعند الوصول إلى هذه المرحلة على الطرف الثاني أن يستعد لكافة الاحتمالات، والمفاجآت. الاهتمام الإيراني بأفريقيا ودولها عربية، وغير عربية، ليس وليد اللحظة، وهو في الأساس يتجاوز موريتانيا إلى مجموعة دول ما يسمى «منظمة دول الساحل الخمس»، التي تضم بالاضافة إلى موريتانيا كلا من النيجر، وبوركينا فاسو، وتشاد، ومالي. هذه المجموعة أو المنظومة لديها اهتمام بالقضاء على الإرهاب في تلك الرقعة الجغرافية. والجانب الإيراني يزعم بقدرته على مساعدة هذه المجموعة، وربما الواقع يقول شيئا آخر هو أن إيران تبحث عن نفوذ سياسي وعسكري في تلك المنطقة، التي تراجع فيها الوجود الفرنسي، مع بروز أدوار جديدة لروسيا فيها. أطماع إيران كبيرة، ومع ذلك نقول: فطنة أهل موريتانيا أكبر من مكر الآخرين.